فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)}.
قال الحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر: هي كلها مكية.
وقال ابن عباس: إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة بعد حمزة وهي قوله: {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلًا} إلى قوله: {بأحسن ما كانوا يعملون} وقيل: إلا ثلاث آيات {وإن عاقبتم} الآية نزلت في المدينة في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد، وقوله: {واصبر وما صبرك إلا بالله} وقوله: {ثم إن ربك للذين هاجروا} وقيل: من أولها إلى قوله: {يشركون} مدني وما سواه مكي.
وعن قتادة عكس هذا.
ووجه ارتباطها بما قبلها أنه تعالى لما قال: {فوربك لنسألنهم أجمعين} كان ذلك تنبيهًا على حشرهم يوم القيامة، وسؤالهم عما أجرموه في دار الدنيا، فقيل: أتى أمر الله وهو يوم القيامة على قول الجمهور.
وعن ابن عباس المراد بالأمر: نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهوره على الكفار.
وقال الزمخشري: كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة، أو نزول العذاب بهم يوم بدر استهزاء وتكذيبًا بالوعد انتهى.
وهذا الثاني قاله ابن جريج قال: الأمر هنا ما وعد الله نبيه من النصر وظفره بإعدائه، وانتقامه منهم بالقتل والسبي ونهب الأموال، والاستيلاء على منازلهم وديارهم.
وقال الضحاك: الأمر هنا مصدر أمر، والمراد به: فرائضه وأحكامه.
قيل: وهذا فيه بعد، لأنه لم ينقل أنّ أحدًا من الصحابة استعجل فرائض من قبل أن تفرض عليهم.
وقال الحسن وابن جريج أيضًا: الأمر عقاب الله لمن أقام على الشرك، وتكذيب الرسول، واستعجال العذاب منقول عن كثير من كفار قريش وغيرهم.
وقريب من هذا القول قول الزجاج: هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم.
وقيل: الأمر بعض أشراط الساعة.
وأتى قيل: باق على معناه من المضي، والمعنى: أقي أمر الله وعدًا فلا تستعجلوه وقوعًا.
وقيل: أتى أمر الله، أتت مبادئه وأماراته.
وقيل: عبر بالماضي عن المضارع لقرب وقوعه وتحققه، وفي ذلك وعيد للكفار.
وقرأ الجمهور: تستعجلوه بالتاء على الخطاب، وهو خطاب للمؤمنين أو خطاب للكفار على معنى: قل لهم فلا تستعجلوه.
وقال تعالى: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} وقرأ ابن جبير: بالياء نهيًا للكفار، والظاهر عود الضمير في فلا تستعجلوه على الأمر لأنه هو المحدث عنه.
وقيل: يعود على الله أي: فلا تستعجلوا الله بالعذاب، أو بإتيان يوم القيامة كقوله: {ويستعجلونك بالعذاب} وقرأ حمزة والكسائي: {تشركون} بتاء الخطاب، وباقي السبعة والأعرج وأبوه جعفر، وابن وضاح، وأبو رجاء، والحسن.
وقرأ عيسى: الأولى بالتاء من فوق، والثانية بالياء والتاء من فوق معًا؛ الأعمش، وأبو العالية، وطلحة، وأبو عبد الرحمن، وابن وثاب، والجحدري، وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي ومصدرية.
وأفضل قراءته عما يشركون باستعجالهم، لأن استعجالهم استهزاء وتكذيب، وذلك من الشرك.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {ينزل} مخففًا، وباقي السبعة مشددًا، وزيد بن علي والأعمش وأبو بكر: تنزل مشددًا مبنيًا للمفعول، الملائكة بالرفع.
والجحدري كذلك، إلا أنه خفف.
والحسن، وأبو العالية، والأعرج، والمفضل، عن عاصم ويعقوب: بفتح التاء مشددًا مبنيًا للفاعل.
وقرأ ابن أبي عبلة: {ما ننزل} بنون العظمة والتشديد، وقتادة بالنون والتخفيف.
قال ابن عطية: وفيهما شذوذ كثير انتهى.
وشذوذهما أنّ ما قبله وما بعده ضمير غيبة، ووجهه أنه التفات، والملائكة هنا جبريل وحده قاله الجمهور، أو الملائكة المشار إليهم بقوله: {والنازعات غرقًا} وقال ابن عباس: الروح الوحي تنزل به الملائكة على الأنبياء، ونظيره: {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} وقال الربيع بن أنس: هو القرآن، ومنه {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا} وقال مجاهد: المراد بالروح أرواح الخلق، لا ينزل ملك إلا ومعه روح.
وقال الحسن وقتادة: الروح الرحمة.
وقال الزجاج: ما معناه الروح الهداية لأنها تحيا بها القلوب، كما تحيا الأبدان بالأرواح.
وقيل: الروح جبريل، ويدل عليه: {نزل به الروح الأمين} وتكون الباء للحال أي: ملتبسة بالروح.
وقيل: بمعنى مع، وقيل: الروح حفظة على الملائكة لا تراهم الملائكة، كما الملائكة حفظة علينا لا تراهم.
وقال مجاهد أيضًا: الروح اسم ملك، ومنه: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا} وعن ابن عباس: أنّ الروح خلق من خلق الله كصور ابن آدم، لا ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم، وقال نحوه ابن جريج.
قال ابن عطية: وهذا قول ضعيف لم يأت به سند.
وقال الزمخشري: بالروح من أمره، بما تحيا به القلوب الميتة بالجهل، من وحيه أو بما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد انتهى.
ومِنْ للتبعيض، أو لبيان الجنس.
ومن يشاء: هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنْ مصدرية، وهي التي من شأنها أن تنصب المضارع، وصلت بالأمر كما وصلت في قولهم: كتبت إليه بأنْ قم، وهو بدل من الروح.
أو على إسقاط الخافض: بأن أنذروا، فيجري الخلاف فيه: أهو في موضع نصب؟ أو في موضع خفض؟ وقال الزمخشري: وأن أنذروا بدلًا من الروح أي: ننزلهم بأن أنذروا، وتقديره: أنذروا أي: بأن الشأن أقول لكم أنذروا.
أنه لا إله إلا أنا انتهى.
فجعلها المخفف من الثقيلة، وأضمر اسمها وهو ضمير الشأن، وقدر إضمار القول: حتى يكون الخبر جملة خبرية وهي أقول، ولا حاجة إلى هذا التكلف مع سهولة كونها الشانية التي من شأنها نصب المضارع.
وجوّز ابن عطية، وأبو البقاء، وصاحب الغنيان: أن تكون مفسرة فلا موضع لها من الإعراب، وذلك لما في التنزل بالوحي من معنى القول أي: أعلموا الناس من نذرت بكذا إذا أعلمته.
قال الزمخشري: والمعنى يقول لهم: أعلموا الناس قولي لا إله إلا أنا فاتقون انتهى.
لما جعل أنْ هي التي حذف منها ضمير الشأن قدر هذا التقدير وهو يقول لهم: أعلموا.
وقرئ: {لينذروا أنه} وحسنت النذارة هنا وإن لم يكن في اللفظ ما فيه خوف من حيث كان المنذرون كافرين بألوهيته، ففي ضمن أمرهم مكان خوف، وفي ضمن الإخبار بالوحدانية نهي عما كانوا عليه، ووعيد وتحذير من عبادة الأوثان.
ومعنى: فاتقون أي اتقوا عقابي باتخاذكم إلهًا غيري.
وجاءت الحكاية على المعنى في قوله: إلا أنا، ولو جاءت على اللفظ لكان لا إله إلا الله، وكلاهما سائغ.
وحكاية المعنى هنا أبلغ إذ فيها نسبة الحكم إلى ضمير المتكلم المنزل الملائكة، ثم دل على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو بما ذكر مما لا يقدر عليه غيره من خلق السموات والأرض، وهم مقرون بأنه تعالى هو خالقها.
وبالحق أي: بالواجب اللائق، وذلك أنها تدل على صفات تحق لمن كانت له أن يخلق ويخترع وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، بخلاف شركائهم التي لا يحق لها شيء من ذلك.
وقرأ الأعمش: {فتعالى} بزيادة فاء، وجاءت هذه الجملة منبهة على تنزيه الله تعالى موجد هذا العالم العلوي والعالم السفلي عن أن يتخذ معه شريك في العبادة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أتى أَمْرُ الله} أي الساعةُ أو ما يعُمها وغيرَها من العذاب الموعود للكفرة، عبّر عن ذلك بأمر الله للتفخيم والتهويل وللإيذان بأن تحققَه في نفسه وإتيانِه منوطٌ بحكمه النافذِ وقضائِه الغالب، وإتيانُه عبارةٌ عن دنوّه واقترابِه على طريقة نظمِ المتوقَّعِ في سلك الواقع، أو عن إتيان مباديه القريبةِ على نهج إسنادِ حال الأسبابِ إلى المسبَّبات، وأيًا ما كان ففيه تنبيهٌ على كمال قربِه من الوقوع واتصالِه وتكميلٌ لحسن موقع التفريعِ في قوله عز وجل: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} فإن النهيَ عن استعجال الشيءِ وإن صح تفريعُه على قرب وقوعِه أو على وقوع أسبابه القريبة لكنه ليس بمثابة تفريعِه على وقوعه، إذ بالوقوع يستحيل الاستعجالُ رأسًا لا بما ذكر من قرب وقوعِه ووقوعِ مباديه، والخطابُ للكفرة خاصة كما يدل عليه القراءةُ على صيغة نهي الغائبِ، واستعجالُهم وإن كان بطريق الاستهزاء، لكنه حُمل على الحقيقة ونُهوا عنه بضرب من التهكم لا مع المؤمنين، سواء أريد بأمر الله ما ذُكر أو العذابُ الموعود للكفرة خاصة، أما الأولُ فلأنه يتصور من المؤمنين استعجالُ الساعة أو ما يعمها وغيرَها من العذاب حتى يعمهم النهيُ عنه، وأما الثاني فلأن استعجالَهم له بطريق الحقيقةِ واستعجالَ الكفرة بطريق الاستهزاء كما عرَفْته فلا ينتظمُهما صيغةٌ واحدة، والالتجاء إلى إرادة معنىً مجازيَ يعمهما معًا من غير أن يكون هناك رعايةُ نكتة سرّية تعسفٌ لا يليق بشأن التنزيلِ الجليلِ، وما روي من أنه لما نزلت {اقتربت الساعة} قال الكفار فيما بينهم: إن هذا يزعُم أن القيامة قد قرُبت، فأمسِكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائنٌ، فلما تأخّرت قالوا: ما نرى شيئًا فنزلت {اقترب لِلنَّاسِ حسابهم} فأشفقوا وانتظروا قُربها، فلما امتدت الأيامُ قالوا: يا محمد ما نرى شيئًا مما تخوفنا به فنزلت {أتى أَمْرُ الله} فوثب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فرفع الناسُ رؤوسَهم فلما نزل {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} اطمأنوا، فليس فيه دِلالةٌ على عموم الخطاب كما قيل لا لما تُوهم من أن التصديرَ بالفاء يأباه، فإنه بمعزل عن إبائه حسبما تحققْتَه بل لأن مناطَ اطمئنانِهم إنما هو وقوفُهم، على أن المرادَ بالإتيان هو الإتيانُ الادّعائي لا الحقيقيُّ الموجبُ لاستحالة الاستعجالِ المستلزِمةِ لامتناع النهي عنه، لِما أن النهيَ عن الشيء يقتضي إمكانَه في الجملة، ومدار ذلك الوقوف إنما هو النهي عن الاستعجال المستلزمِ لإمكانه المقتضي لعدم وقوعِ المستعجَل بعدُ، ولا يختلف ذلك باختلاف المستعجِل كائنًا مَنْ كان بل فيه دَلالةٌ واضحة على عدم العمومِ لأن المراد بأمر الله إنما هو الساعةُ، وقد عرفت استحالةَ صدور استعجالِها عن المؤمنين، نعم يجوز تخصيصُ الخطاب بهم على تقدير كونِ أمر الله عبارةً عن العذاب الموعودِ للكفرة خاصة، لكن الذي يقضي به الإعجازُ التنزيليُّ أنه خاصٌّ بالكفرة كما ستقف عليه، ولمّا كان استعجالُهم ذلك من نتائج إشراكِهم المستتبعِ لنسبة الله عز وجل إلى ما لا يليق به من العجز والاحتياج إلى الغير، واعتقادِ أن أحدًا يحجُزه عن إنجاز وعدِه وإمضاء وعيدِه، وقد قالوا في تضاعيفه: إن صح مجيءُ العذاب فالأصنامُ تخلّصنا عنه بشفاعتها، رُدَّ ذلك فقيل بطريق الاستئناف: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزه وتقدّس بذاته وجل عن إشراكهم المؤدِّي إلى صدور أمثالِ هذه الأباطيلِ عنهم، أو عن أن يكون له شريكٌ فيدفعَ ما أراد بهم بوجه من الوجوه، وصيغةُ الاستقبالِ للدلالة على تجدد إشراكِهم واستمرارِه، والالتفاتُ إلى الغَيبة للإيذان باقتضاء ذكرِ قبائحِهم للإعراض عنهم وطرحِهم عن رتبة الخطاب، وحكايةِ شنائعهم لغيرهم، وعلى تقدير تخصيصِ الخطابِ بالمؤمنين تفوت هذه النُّكتةُ كما يفوت ارتباطُ المنهيِّ عنه، وقرئ على صيغة الخطاب.
{يُنَزّلُ الملائكة} بيانٌ لتحتم التوحيدِ حسبما نُبّه عليه تنبيهًا إجماليًا ببيان تقدّس جنابِ الكبرياء وتعاليه عن أن يحوم حوله شائبةُ أن يشاركه شيءٌ في شيء، وإيذانٌ بأنه دينٌ أجمع عليه جمهورُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأُمروا بدعوة الناسِ إليه مع الإشارة إلى سر البعثةِ والتشريعِ وكيفية إلقاء الوحي، والتنبيهِ على طريق علمِ الرسول عليه الصلاة والسلام بإتيان ما أوعدهم به وباقترابه إزاحةً لاستبعادهم اختصاصَه عليه الصلاة والسلام بذلك، وإظهارًا لبُطلان رأيهم في الاستعجال والتكذيب، وإيثارُ صيغةِ الاستقبال للإشعار بأن ذلك عادةٌ مستمرةٌ له سبحانه، والمرادُ بالملائكة إما جبريلُ عليه السلام، قال الواحدي: يسمَّى الواحدُ بالجمع إذا كان رئيسًا أو هو ومَنْ معه من حفَظَة الوحي بأمر الله تعالى، وقرئ: {يُنْزِل} من الإنزال و{تَنَزَّلُ} بحذف إحدى التاءين وعلى صيغة المبني للمفعول من التنزيل، {بالروح} أي بالوحي الذي من جملته القرآنُ على نهج الاستعارةِ، فإنه يحيي القلوبَ الميتة بالجهل، أو يقوم في الدين مقامَ الروح في الجسد، والباء متعلقةٌ بالفعل أو بما هو حالٌ من مفعوله أي ملتبسين بالروح {مِنْ أَمْرِهِ} بيان للروح الذي أريد به الوحي، فإنه أمرٌ بالخير أو حال منه أي حالَ كونِه ناشئًا ومبتدأً منه، أو صفةٌ له على رأي من جوّز حذفَ الموصول مع بعضِ صلته أي بالروح الكائن من أمره الناشىءِ منه، أو متعلقٌ بينزّل ومِنْ للسببية كالباء مثلُ {ما} في قوله تعالى: {مّمَّا خطيئاتهم} أي ينزلهم بأمره {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أي ينزِّلَهم به عليهم لاختصاصهم بصفات تؤهّلهم لذلك {أَنْ أَنْذِرُواْ} بدلٌ من الروح، أي ينزّلهم ملتبسين بأن أنذِروا أي بهذا القول، والمخاطَبون به الأنبياء الذين نزلت الملائكةُ عليهم، والآمرُ هو الله سبحانه والملائكةُ نَقَلةٌ للأمر كما يُشعر به الباء في المبدَل منه، و{أن} إما مخففةٌ من أنّ وضميرُ الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ، أي ينزلهم ملتبسين بأن الشأنَ أقول لكم: أنذِروا، أو مفسّرةٌ على أن تنزيلَ الملائكة بالوحي فيه معنى القولِ، كأنه قيل: يقول بواسطة الملائكةِ لمن يشاء من عباده: أنذروا فلا محل لها من الإعراب، أو مصدريةٌ لجواز كون صلتِها إنشائيةً كما في قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} حسبما ذكر في أوائل سورة هودٍ فمحلُّها الجرُّ على البدلية أيضًا، والإنذارُ الإعلام خلا أنه مختصٌّ بإعلام المحذورِ من نذر بالشيء إذا علمه فحذِرَه، وأنذره بالأمر إنذارًا أي أعلمه وحذره وخوفه في إبلاغه كذا في القاموس أي أعلِموا الناس {أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ} فالضمير للشأن، ومدارُ وضعِه موضعَه ادعاء شهرتِه المغنيةِ عن التصريح به، وفائدةُ تصديرِ الجملة به الإيذانُ من أول الأمر بفخامة مضمونِها مع ما فيه من زيادة تقريرٍ له في الذهن، فإن الضميرَ لا يفهم منه ابتداء إلا شأنٌ مبهمٌ له خطر، فيبقى الذهنُ مترقبًا لما يعقُبه مترقبًا فيتمكن لديه عند وروده فضلُ تمكن، كأنه قيل: أنذروا أن الشأنَ الخطير هذا، وإنباء مضمونِه عن المحذور ليس لذاته بل من حيث اتصافُ المنذَرين بما يضادُّه من الإشراك وذلك كافٍ في كون إعلامِه إنذارًا، وقوله سبحانه: {فاتقون} خطابٌ للمستعجِلين على طريقة الالتفاتِ، والفاء فصيحةٌ أي إذا كان الأمر كما ذكر من جريان عادتِه تعالى بتنزيل الملائكةِ على الأنبياء عليهم السلام وأمرِهم بأن ينذِروا الناسِ أنه لا شريك له في الألوهية، فاتقون في الإخلال بمضمونه ومباشرةِ ما ينافيه من الإشراك وفروعِه التي من جملتها الاستعجالُ والاستهزاء.
وبعد تمهيدِ الدليل السمعيِّ للتوحيد شُرِع في تحرير الأدلة العقلية فقيل: {خُلِقَ السموات والأرض بالحق} أي أوجدهما على ما هما عليه من الوجه الفائق والنمطِ اللائق {تَعَالَى} وتقدّس بذاته لاسيما بأفعاله التي من جملتها إبداعُ هذين المخلوقين {عَمَّا يُشْرِكُونَ} عن إشراكهم المعهودِ أو عن شركة ما يشركونه به من الباطل الذي لا يُبدىء ولا يعيد. اهـ.

.قال الألوسي:

ولما ذكر في آخر السورة السابقة المستهزؤن المكذبون له صلى الله تعالى عليه وسلم ابتديء هنا بعد قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم}.
بقوله عز وجل: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}.